فصل: رزق عتاب بن أسيد والي مكة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 عمرة الرسول من الجعرانة واستخلافه عتاب بن أسيد على مكة وحج عتاب بالمسلمين سنة ثماني

 اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمراً ، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة ، بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعاً إلى المدينة ، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة ، وخلف معه معاذ بن جبل ، يفقه الناس في الدين ، ويعلمهم القرآن ، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء ‏.‏

 رزق عتاب بن أسيد والي مكة

قال ابن هشام ‏:‏وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال ‏:‏

لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهماً ، فقام فخطب الناس ، فقال ‏:‏

أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم ، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد ‏.‏

 زمان هذه العمرة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو ذي الحجة ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لست ليال بقين من ذي القعدة فيما زعم أبو عمرو المدني ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ، وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد ، وهي سنة ثمان ، وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ، ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شهر رمضان من سنة تسع ‏.‏

 أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف

 تخويف بجير على أخيه كعب ونصيحته له ‏:‏

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ، ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب ، قد هربوا في كل وجه ، فإن كانت لك في نفسك حاجة ، فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض ؛ وكان كعب بن زهير قد قال ‏:‏

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا

فبين لنا إن كنت لست بفاعل * على أي شيء غير ذلك دلكا

على خلق لم ألف يوما أبا له * عليه وما تلفي عليه أبا لكا

فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعالكا

سقاك بها المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا

قال ابن هشام ‏:‏ويروي ‏(‏ المأمور ‏)‏ ‏.‏ وقوله ‏(‏ فبين لنا ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏

و أنشدني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه ‏:‏

من مبلغ عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا

شربت مع المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا

وخالفت أسباب الهدى واتبعته * على أي شيء ويب غيرك دلكا

على خلق لم تلف أما ولا أبا * عليه ولم تدرك عليه أخا لكا

فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعا لكا

قال ‏:‏ وبعث بها إلى بجير ، فلما أتت يجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لما سمع ‏(‏ سقاك بها المأمون ‏)‏ صدق وإنه لكذوب ، أنا المأمون ‏.‏ ولما سمع ‏(‏ على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه ‏)‏ قال ‏:‏ أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ‏.‏

ثم قال بجير لكعب ‏:‏

من مبلغ كعبا فهل لك في التي * تلوم عليها باطلا وهي أحزم

إلى الله لا العزى ولا اللات وحده * فتنجوا إذا كان النجاء وتسلم

لدى يوم ينجو وليس بمفلت * من الناس إلا طاهر القلب مسلم

فدين زهير وهو لا شيء دينه * ودين أبي سلمى علي محرم

قال ابن إسحاق ‏:‏ وإنما يقول كعب ‏:‏ ‏(‏ المأمون ‏)‏ ويقال ‏:‏ ‏(‏ المأمور ‏)‏ في قول ابن هشام ، لقول قريش الذي كانت تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

 كعب بن زهير وقصيدته الشهيرة بانت سعاد

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض ، وأشفق على نفسه ، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، فقالوا ‏:‏ هو مقتول فلما لم يجد من شيء بداً ، قال قصيدته التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وذكر فيها خوفه ، وإرجاف الوشاة به من عدوه ، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة ، كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح ، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه ‏.‏

فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه ، فوضع يده في يده ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نعم ‏.‏ قال ‏:‏ أنا يا رسول الله كعب بن زهير ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏

أنه وثب عليه رجل من الأنصار ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، دعني وعدو الله أضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ دعه عنك ، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه قال ‏:‏ فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، لما صنع به صاحبهم ، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير ، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يشتكي قصر منها ولا طول

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول

شجت بذي شبم من ماء محنية * صاف بأبطح أضحى وهو مشمول

تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه * من صوب غادية بيض يعاليل

فيا لها خلة لو أنها صدقت * بوعدها أو لو أن النصح مقبول

لكنها خلة قد سيط من دمها * فجع وولع وأخلاف وتبديل

فما تدوم على حال تكون بها * كما تلون في أثوابها الغول

وما تمسك بالعهد الذي زعمت * إلا كما يمسك الماء الغرابيل

فلا يغرنك ما منت وما وعدت * إن الأماني والأحلام تضليل

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا * وما مواعيدها إلا الأباطيل

أرجو وآمل أن تدنو مودتها * وما إخال لدينا منك تنويل

أمست سعاد بأرض لا يبلغها * إلا العتاق النجيبات المراسيل

ولن يبلغها إلا عذافرة * لها على الأين إرقال وتبغيل

من كل نضاخة الذفري إذا عرقت * عرضتها طامس الأعلام مجهول

ترمي النجاد بعيني مفرد لهق * إذا توقدت الحزان والميل

ضخم مقلدها فعم مقيدها * في خلقها عن بنات الفحل تفضيل

غلباء وجناء علكوم مذكرة * في دفها سعة قدامها ميل

وجلدها من أطوم ما يؤيسه * طلح بضاحية المتنين مهزول

حرف أخوها أبوها من مهجنة * وعمها خالها قوداء شمليل

يمشي القزاد عليها ثم يزلقه * منها لبان وأقراب زهاليل

عيرانة قذفت بالنحض عن عرض * مرفقها عن بنات الزور مفتول

كأنما فات عينيها ومذبحها * من خطمها ومن اللحيين برطيل

تمر مثل عسيب النخل ذا خصل * في غارز لم تخونه الأحاليل

قنواء في حرتيها للبصير بها * عتق مبين وفي الخدين تسهيل

تخدي على يسرات وهي لاحقة * ذوابل مسهن الأرض تحليل

سمر العجايات يتركن الحصى زيما * لم يقهن رءوس الأكم تنعيل

كأن أوب ذراعيها وقد عرقت * وقد تلفع بالقور العساقيل

يوما يظل به الحرباء مصطخدا * كأن ضاحيه بالشمس مملول

وقال للقوم حاديهم وقد جعلت * ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا

شد النهار ذراعا عيطل نصف * قامت فجاوبها نكد مثاكيل

نواحة رخوة الضبعين ليس لها * لما نعى بكرها الناعون معقول

تفري اللبان بكفيها ومدرعها * مشقق عن تراقيها رعابيل

تسعى الغواة جنابيها وقولهم * إنك يا بن أبي سلمى لمقتول

وقال كل صديق كنت آمله * لا ألهينك إني عنك مشغول

فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول

نبئت أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن * فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب ولو كثرت في الأقاويل

لقد أقوم مقاما لو يقوم به * أرى واسمع ما لو يسمع الفيل

لظل يرعد إلا أن يكون له * من الرسول بإذن الله تنويل

حتى وضعت يميني ما أنازعه * في كف ذي نقمات قيله القيل

فلهو أخوف عندي إذ أكلمه * وقيل إنك منسوب ومسئول

من ضيغم بضراء الأرض مخدره * في بطن عثر غيل دونه غيل

يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما * لحم من الناس معفور خراديل

إذا يساور قرنا لا يحل له * أن يترك القرن إلا وهو مفلول

منه تظل سباع الجو نافرة * ولا تمشي بواديه الأراجيل

ولا يزال بواديه أخو ثقة * مضرج البز والدرسان مأكول

إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول

في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا

زالوا فما زال أنكاس ولا كشف * عند اللقاء ولا ميل معازيل

شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل

بيض سوابغ قد شكت لها حلق * كأنها حلق القفعاء مجدول

ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم * قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم * حزب إذا عرد السود التنابيل

لا يقع الطعن إلا في نحورهم * وما لهم عن حياض الموت تهليل

قال ابن هشام ‏:‏قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وبيته ‏(‏ حرف أخوها أبوها ‏)‏ وبيته ‏(‏ يمشي القراد ‏)‏ وبيته ‏(‏ عيرانة قذفت ‏)‏ وبيته ‏(‏ تمر مثل عسيب النخل ‏)‏ وبيته ‏(‏ تفري اللبان ‏)‏ وبيته ‏(‏ إذا يساور قرنا ‏)‏ وبيته ‏(‏ ولا يزال بواديه ‏)‏ ‏:‏ عن غير ابن إسحاق

 كعب يسترضي الأنصار بمدحهم

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏

فلما قال كعب ‏(‏ إذا عرد السود التنابيل ‏)‏ وإنما يريدنا معشر الأنصار ، لما كان صاحبنا صنع به ما صنع ، وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدحته ، غضبت عليه الأنصار ، فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ، ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموضعهم من اليمن ‏:‏

من سره كرم الحياة فلا يزل * في مقنب من صالحي الأنصار

ورثوا المكارم كابرا عن كابر * إن الخيار هم بنو الأخيار

المكرهين السمهري بأذرع * كسوالف الهندي غير قصار

والناظرين بأعين محمرة * كالجمر غير كليلة الأبصار

والبائعين نفوسهم لنبيهم * للموت يوم تعانق وكرار

والذائدين الناس عن أديانهم * بالمشرفي وبالقنا الخطار

يتطهرون يرونه نسكا لهم * بدماء من علقوا من الكفار

دربوا كما دربت ببطن خفية * غلب الرقاب من الأسود ضواري

وإذا حللت ليمنعوك إليهم * أصبحت عند معاقل الأعفار

ضربوا عليا يوم بدر ضربة * دانت لوقعتها جميع نزار

لو يعلم الأقوام علمي كله * فيهم لصدقني الذين أماري

قوم إذا حوت النجوم فإنهم * للطارقين النازلين مقاري

في الغر من غسان من جرثومة * أعيت محافرها على المنقار

قال ابن هشام ‏:‏ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده بانت سعاد ‏(‏ فقلبي اليوم متبول ‏)‏ لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل ، فقال كعب هذه الأبيات ، وهي في قصيدة له ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال ‏:‏

أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ‏:‏

‏(‏ بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ‏)‏